روى الامام ابن الجوزى فى كتابه بر الوالدين
عن الامام مالك بن دينار قال حججت البيت مرة فبينما اطوف بالبيت اذ اعجبنى كثرة الحجيج فقلت ياليت شعرى من المقبول فيهم فاهنيه ومن المطرود فيهم فاعزيه فلما كان الليل رايت فى المنام قائلا يقول لى مالك بن دينار يتفكر فى امر الحاج والمعتمرين قد غفر الله للجميع يا مالك الكبير والصغير العربى والعجمى الابيض والاسود الذكر والانثى ما خلا رجلا واحدا الله تبارك وتعالى عليه غضبان قد رد عليه حجه وضرب به وجهه ثم فارق مالك المنام قال فنمت بليلة لا يعلمها الا الله وخشيت ان اكون انا ذلك الرجل فلما كانت الليلة الثانيه جائنى القائل فى المنام وقال انك لست ذلك الرجل انما هو رجل من خراسان من مدينة تدعى بلخ اسمه محمد بن هارون البلخى قال مالك فلما اصبحت اتيت خراسان فقلت افيكم البلخيون قالوا نعم فاتيتهم فقلت افيكم محمد بن هارون البلخى فقالوا بخ بخ يا مالك تسأل عن رجل ليس فى خراسان اعبد ولا ازهد ولا اقرأ للقرآن منه قال فعجبت من ثناء الناس عليه وما رايت فى المنام فقلت ارشدونى اليه فقالوا انه منذ اربعين سنة يقوم الليل ويصوم النهار ولا يأوى الا الى الخرائب لعله فى خرائب مكه اسم مكان هناك يعرف بخرائب مكه قال فالتمسته فبحثت عنه فوجدته خلف جدار مقطوع اليد اليمنى وهى معلقة الى عنقه قد نقب ترقوته وربطها بقيدين غليظين فى قدمه وهوراكع ساجد فلما احس بوقع قدمى على الارض انفتل من صلاته وقال من تكون قلت انا مالك بن دينار قال مالك يا مالك رأيت رؤيا اقصصها على قلت له استحى ان اوجهك بها قال لا تستحى قال مالك فقصصت عليه ما رأيت فى المنام وان الله تبارك وتعالى رضى عن الجميع ما خلا هو ورد عليه حجه وضرب به وجهه
قال فبكى بكاءً شديداً ثم قال يا مالك هل تعرف قلت لا قال هذه الرؤيا يراها لى كل عام رجل صالح منذ اربعين سنه قلت له ما ذنبك بينك وبين الله ذنب عظيم قال نعم قلت ذنبك اعظم ام السماوات قال بل ذنبى قلت ذنبك اعظم ام الارض قال بل ذنبى قال ذنبى اعظم من السماوات واعظم من الارض ومن العرش ومن الكرسى ومن المخلوقات قال مالك فاخبرنى بذنبك اخبر الناس به علهم ان يتجنبوه قال يا مالك كنت رجلا اكثر شرب هذا المسكر (الخمر) فشربت مرة عند صديق لى وذهبت الى البيت ثملا سكرانا فوجدت امى وزوجتى تسجران التنور (الفرن)
فقالت امى ياولدى اليوم اخر يوما من شعبان واول ليلة من رمضان يا ولدى يصبح الناس صواما وتصبح يا ولدى سكرانا قال فلكزتها بيى فى صدرها فقالت تعست فما شعرت بسكرى اذ حملتها بيدى فرميت بها فى الفرن المشتعل قال فأخذت زوجتى بى فاخرجتنى خارج الدار واغلقت الباب
فلما كان اخر الليل افقت من سكرى فطرقت الباب فردت على زوجتى برد فيه غلظ وجفاء فقلت لها ويحك ما هذا الجفاء الذى لا اعرفه منك قالت تستاهل الا ارحمك وقد فعلت بامك ما فعلت قلت وما فعلت قالت القيتها فى الفرن فاحترقت قال فما شعرت حتى خلعت الباب بيدى ودخلت فنظرت فاذا هى فى الفرن كالرغيف المحترق قال فنظرت فى البيت فاذا قدوم فوضعت يدى اليمنى على عتبة الباب فقطعتها بيدى اليسرى ونقبت ترقوتى فربطتها بقيدين غليظين فى قدمى وكان عندى عشرة اعبد فاعتقتهما احرارا وثمانية الاف دينار فتصدقت بها وجعلت اموالى كلها لله وانا منذ اربعين سنة يا مالك اقوم الليل واصوم النهار احج البيت كل عام ويرى لى رجل عالم كل عام ان الله يعذبنى واننى من اهل النار قال مالك قلت له يا مشئوم كدت تحرق الارض بنارك وتوليت عنه بحيث اسمع صوته ولا ارى شخصه فرفع يده اليسرى الى الله وقال يا فارج الهم يا كاشف الغم يا مجيب دعوة المضطر اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك اعوذ بك منك لا تخيب رجائى ولا ترد دعائى قال مالك فرحلت الى بيتى فنمت فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال يا مالك لما تقنط الناس من رحمة الله لما تيأس الناس من عفو الله يا مالك ان الله اطلع من الملأ الاعلى على محمد بن هارون البلخى فاجاب دعوته واقال عثرته قل له يا مالك اذا كان يوم القيامه جمع الله الاولين والاخرين واقتص من للشاة الجماء من الشاة القرناء ثم يجمعك الله بامك ان الله يجمع بينك وبين امك فيقضى لها عليك ثم يأمر الملائكة ان يأخذوك الى النار بسلاسل غلاظ حتى تجد بردها ثلاثة ايام ولياليهن لانى آليت على نفسى الا يشرب المسكر عبد من عبادى ولا يقتل هذا (يقتل امه ) الا ادخلته النار ولو كان ابراهيم الخليل ثم اذا مرت الثلاث القى فى قلب امك الرحمه فتستوهبك منى فاهبك لها وتدخل الجنه قال مالك فذهبت اليه فاخبرته فكأن حياته حصاة ملح وضعتها فى طست ماء فذابت فما هو الا ان بلغته ثم مات وكنت فى من صلى عليه