0
أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً لفتح بيت المقدس ، بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه ،فلما وصل إلى الرملة وجد عندها جمعاً من الروم عليهم الأرطبون، وكان أدهى الروم وأبعدها نظراً وحكمة وأشجعها وأقواها، وقد كان وضع بالرملة جنداً عظيماً وبإيلياء جنداً عظيماً ، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بالخبر ، فلما جاء الكتاب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عما تنفرج . وبعث عمرو بن العاص جزءاً من الجيش لقتال أهل إيلياء . وجزءاً آخر إلى الرملة ليشغلوهم عن جيشه الأساسي، وجعل عمرو كلما قدم عليه أمداد من جهة عمر يبعث منهم طائفة إلى هؤلاء وطائفة إلى هؤلاء. وأقام عمرو على إجنادين لا يقدر من الأرطبون على سقطة.
وكان عمرو بن العاص يرسل الرسل إلى الأرطبون للحوار. ليتعرف على عقل الأرطبون وكيف يفكر ويخطط، فما شفته الرسل ، فتولى الأمر بنفسه ، فتنكر بلباس الجند ، كأنه أحد جنود عمرو بن العاص ، فدخل على الأرطبون متنكراً ، فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل شكله، حتى عرف كيف يفكر الأرطبون، ثم أراد الرجوع، وكان الأرطبون قد سمع من قبل بدهاء عمرو بن العاص وذكائه ، فشك في الذي أمامه ، لما رأى من فطنته وذكائه .
فقال الأرطبون في نفسه : والله إن هذا لعمرو أو إنه الذي يأخذ عمروٌ برأيه ، وما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله. فدعا حارساً فساره فأمره بقتله فقال: اذهب فقم في مكان كذا وكذا فإذا مر بك هذا العربي فاقتله، ففطن عمرو بن العاص للحركة الغريبة ، وهو لا يعرف الرومية فقال للأرطبون :أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي ، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع عمرو بن العاص لنشهد أموره . وقد أحببت أن آتيك بهم كلهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت . فقال الأرطبون: نعم. فاذهب فأتني بهم، ودعا رجلاً فساره وقال له : اذهب إلى فلان فرده عن قتل هذا العربي.فرجع عمرو بن العاص إلى جيشه ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن العاص، فقال: خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب. وبلغت عمر بن الخطاب فقال : لله در عمرو . ثم ناهضه عمرو فاقتتلوا بأجنادين قتالاً عظيماً ، كقتال اليرموك ، حتى كثرت القتلى بينهم ثم اجتمعت بقية الجيوش إلى عمرو بن العاص ، وذلك حينما أعياهم الأرطبون وتحصن منهم بالبلد ، وكثر جيشه،فكتب الأرطبون إلى عمرو بأنك صديقي ونظيري، أنت في قومك مثلي في قومي ،والله لا تفتح من فلسطين شيئاً بعد أجنادين فارجع وإلا فإنك ستلقى مثل مالقي الذين من قبلك من الهزيمة ، فدعا عمرو رجلاً من الجند يتكلم بالرومية فبعثه إلى أرطبون وقال : اسمع ما يقول لك وأظهر أنك لا تعرف الرومية ثم ارجع فأخبرني. وكتب إليه معه: جاءني كتابك وأنت مثلي ونظيري في قومك ،لو أخطأتك خصلة تجاهلت فضيلتي، وقد علمت أني صاحب فتح هذه البلاد، واقرأ كتابي هذا بمحضر من أصحابك ووزرائك . فلما وصله الكتاب جمع وزراءه وقرأ عليهم الكتاب . فقالوا للأرطبون: من أين لك إنه ليس بصاحب فتح هذه البلاد؟ فقال: صاحب فتح بيت المقدس في كتابنا رجل اسمه على ثلاثة أحرف . فرجع الرسول إلى ابن العاص فأخبره بما قال. ففهم أن المقصود هو عمر أي ابن الخطاب، فكتب ابن العاص إلى عمر يستمده ويقول له : إني أعالج حرباً كؤداً صدوماً ، وبلاداً ادخرت لك ، فرأيك. فلما وصل الكتاب إلى عمر علم أن ابن العاص لم يقل ذلك إلا لأمر علمه، فعزم على الدخول إلى الشام لفتح بيت المقدس.وفعلاً فتح بقدوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.