رفع اليدين مع تكبيرات الجنائز
لأهل العلم فيها قولان مشهوران :
أحدهما : أن المصلي علي الجنازة يرفع يديه مع كل تكبيرة .
والثاني : أن اليد ترفع مع التكبيرة الأولي فقط .
دليل القول الأول :
1- ح عبدالله بن عمر رضي الله عنه : (( أن النبي صلى الله علية وسلم كان إذا صلي علي الجنازة رفع يديه مع كل تكبيرة )) أخرجه الدارقطني في " العـلل " .
2 - إسناد آخر للحديث السابق ... أخرجه الطبراني في " الأوسط " .
3 - أثر عن عبدالله بن عمر : ( أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة علي الجنازة ، وإذا قام من الركعتين ) .
دليل القول الثاني :
1- ح أبي هريرة رضي الله عنه : (( أن رسول الله صلى الله علية وسلم كبر علي جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة و وضع يده اليمني علي اليسري )) .
2- ح ابن عباس رضي الله عنهما : (( أن رسول الله r كان يرفع يديه علي الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود )) .
3 - أثر عن عبدالله بن مسعود : ( أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولي في الجنازة ثم لا يرفع بعد ) .
4 - أثر عن عبدالله بن عباس : ( أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولي ثم لا يرفع بعد )
الراجح : القول بأن المصلي علي الجنازة يرفع يديه مع كل تكبيرة .
لما يلي :
أولاً :
أن الأحاديث المرفوعة إلي النبي صلى الله علية وسلم والموقوفة علي الصحابة رضي الله عنهم ، الدالة علي الرفع في التكبيرة الأولي فقط ، غـير ثابتــة ... وفيما يلي توضيح ذلك :
1- ح أبي هريرة رضي الله عنه : أخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي ؛ ... وإسناد هذا الحديث ضعيف جداً ففيه أبوفرة يزيد بن سنان و يحي بن يعلي الأسلمي وكلاهما ضعيف .
2 - ح ابن عباس رضي الله عنهما : أخرجه الدارقطني والعقيلي ؛ ... وإسناد هذا الحديث ضعيف ... ففي إسناده الفضل بن السكن وهو مجهول ، قال عنه الذهبي في " الميزان "
( 3/352 ) : لا يعرف وضعفه الدارقطني . و ضعف الحديث الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (2/291) .
3 - أثر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : رواه عبدالرزاق في " مصنفه " (3/470) عـن معمر قال : بلغه ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه
فهذا إسناد ضعيف .... منقطع بين معمر وابن مسعود كما تري ، فلا يجوز حينئذ أن ننسبه إلي ابن مسعود حتي يصح إسناده إليه .
4 - أثر عبدالله بن عباس رضي الله عنه : رواه عبدالرزاق في " مصنفه " (3/470) . عـن بعض أصحابنا أن ابن عباس كان يرفع يديه .... الخ ؛
وهذا إسناد ضعيف .. لجهالة أصحاب معمر كما هو واضح من الإسناد المذكور .... فلا يجوز أيضاً أن ننسبه إلي ابن عباس إلا بعد التيقن من صحته .
وبهـذا يتبين انه لم يصح حديث مرفوع إلي النبي صلى الله علية وسلم أو موقوف علي أحد من الصحابة رضوان الله عليهم ... يـدل علي أن اليد ترفع في التكبيرة الأولي فقط .
ثانياً : ( فائــدة )
الأحاديث المرفوعة إلي النبي صلى الله علية وسلم ، الداله علي رفع اليدين مع كل تكـبيرة في صـلاة الجنازة غـير ثابتـه أيضاً ..... وفيما يلي توضيح ذلك :
1 - ح عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : أخرجه الدارقطني في " العـلل " من طريق عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن يحيي بن سعيد ، عن نافع عن ابن عمر : ( أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا ..... الخ)
وهـذا مخالف لسائر الروايات عن ابن عمر ، فعموم الروايات عنه علي الوقـف ، ليست علي الرفع ، ورجح الدارقطني وقفه .
2 - ( الإسناد الآخـر لحديث ابن عمر ) : أخرجه الطبراني في " الأوسط " ... وإسناده تالف ... ففيه عباد بن صهيب ، وعبدالله بن محرر ، وكـلاهما متروك .
وبهـذا يتبين انه لم يصح حديث مرفوع إلي النبي صلى الله علية وسلم ... يـدل علي أن اليد ترفع مـع كل تكبيرة .
ثالثاً :
أثر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : رواه ابن أبي شيبة ، والبخاري في " رفع اليدين " ، وابن المنذر في " الأوسط " ، والبيهقي في " السنن الكبري " .
وإسـناده صحـيح ؛ وذكره البخاري " في صحيحه " معلقاً بصيغة الجزم (3/226 فتح) .
فهـذا أثر صحيح ثابت عـن أحـد صحابة رسول الله r يدل علي الرفع في كل تكبيرة علي الجنازة .
والعمل بقول الصحابي ( عندما لا يثبت حديث مرفوع إلي النبي صلى الله علية وسلم) أولي من العمل بالرأي المحض .
لأن الصحابة رافقوا النبي صلى الله علية وسلم ، وسمعوا أقواله وأفعاله وتقريراته وأحكامه ، فكانوا بذلك أعرف الأمة بربها ، وأعلم الناس بكتاب الله وسنة نبيه علية الصلاة والسلام ، وهم أكثر الناس إخـلاصاً وحرصاً علي الخير فالأخذ بقولهم أولي من الأخذ بقول غيرهم .
بالإضافة إلي أن ؛ فعل الصحابي الجليل عبدالله بن عمر له مزية خاصة لما عـرف عنه من شدة التحري في اتباع السنة كما هو معروف عند علماء الحديث وغيرهم .
( فائــدة ) :
الشيخ الألباني - رحمه الله - يقول بالرفع في التكبيرة الأولي فقط ، حيث صح عنده حديث أبي هريرة ( المذكور أعلاه ) بشاهد له ( ح ابن عباس ) . وقال أيضــاً :
" نعم روي البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه علي كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة . فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلي الله عليه وسلم فله أن يرفع " . ا.هـ
هــذا والله أعـلم ؛
ومـا كان من فضلٍ فمن الله وحده ، ومـا كان من خطأ أو سهوٍ أو نسيان ، فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه بريئان .
منقول