الكشك
بين الأهمية الغذائية وضرورة الميكنة
يعتبر الكشك نوعاً من الاكلات الشعبيية التى كانت , ومازالت , منتشرة فى صعيد مصر وخاصة بمحافظات المنيا واسيوط و سوهاج , وبعض بلاد الشام (فلسطين – سوريا – لبنان) وكذلك دول شرق أسيا مثل أفغانستان – باكستان – العراق , وهى أشبة بالوجبات الجافة اذ يعتبره البعض من المقرمشات أو التسالى , ويعتبر الكشك فى بعض المناطق الوجبة الاساسية فى الافطار وتختلف طريقة اكله واعدادة وشكلة حسب المنطقة , حيث يتناول بوضع الكشك وخلطه بالبن او قليه مع البيض أو إعداده مع الصلصة ( كشك الماظية ) وغيرها , لكن مكوناته , أي الكشك , تظل واحدة وهي قمح مسلوق ( بليله ) , لبن حامض , ملح وكمون , فيما تضيف اليه بعض المناطق الشطه لاعطائع نوعاً من النكهه .
صناعة الكشك
يبدأ تحضير الكشك في منتصف الصيف وحتي إطلالة الخريف ، ومهمة اعداد الكشك تفتح باب المنافسة واسعا بين نساء القرية، لتحاول كل امرأة الإثبات انها تملك حرفية مميزة لصنعه ما يعطي مذاقه خصوصية تختلف باختلاف «نفس» بين هذه القروية أو تلك :
(1) يجمع اللبن الخض يوميا فى أكياس من الدمور (نوع من الأقمشة) توضع فى مواجير وتملح الجدران الخارجية لهذه الأكياس من أن لأخر بعد غسيلها بالماء لإزالة الطبقات الهلامية التى تتكون عليها.
(2) يلاحظ خلط وتقليب اللبن الخض بعد كل إضافة وهكذا يتم تجميعه فى خلال شهر مايو أو يوليو أو أغسطس حيث يصعب ترقيد اللبن فى هذا الوقت لإرتفاع درجة الحرارة حتى يصبح القوام كثيف نتيجة لرشح الشرش. (المخزون من اللبن يسمى لبن الزير).
(3) عند بدء عمل الكشك يغربل القمح وينظف ثم يوضع على النار في آنية كبيرة من الصاج ( البراميل ) حتى تنتفخ الحبيبات ويسمى بليلة أو Parboiled wheat.
(4) ترفع البليلة بعد ذلك من فوق اللهب ويصفى الماء وتغسل الحبوب المنتفخة بالماء البارد عدة مرات لفصل المواد الجيلاتينية "الغروية" الموجودة بالحبوب ثم تجفف بوضعها على الحصر فى الشمس الحارقة ( فى الصيف ) وقد تاخد مده اسبوع او عشرة ايام حتى الجفاف المناسب.
(5) يتم فرك (هرس) الحبوب السابق تجفيفها فى الشمس لفصل الأغلفة الخارجية ثم يتم دشها وطحنها بواسطة طاحونة حجرية (رحى) لتكوين مجروش يبلغ قطر حبيباته 0.5-2 مم تقريبا وهذا يسمى فى بعض المناطق خاصة بلاد الشام بالبرغل.
(6) توضع الحبوب المجروشة فى مواجير من الفخار حتى منتصفها تقريبا ويضاف إليه محلول ملحى إلى أن يصبح قوامه هش ثم يخفف لبن الزير السابق تحضيره حتى يصبح قوامه شرابى خفيف ويضاف إلى مواجير الفخار المحتوية على الحبوب المجروشة فيما يسمى بيوم الحمى.
(7) يترك هذا المخلوط فى المواجير حتى اليوم لكى يتخمر ويزداد عدد الخمائر وتتكون غازات أى تخمر للمخلوط وهذا المخلوط يرتفع بفعل الغازات حتى يمتلئ الماجور.
(
تعجن محتويات الماجور عجنا شديدا ويشكل العجين على هيئة كريات قطرها تقريبا 6 بوصة وتنقل من الماجور ويتم تخفيفها بكمية أخرى من لبن الزير ويعاد العجن ثانيا ويترك الماجور بما فيه للتخمر لليوم التالى ثم تعجن للمرة الأخيرة وتشكل على هيئة كرات صغيرة الحجم قطرها 5-6 سم , فيما يسمى بتقطيع وبعرمة الكشك اى تقطيع العجين الى قطع صغيرة ثم تدويرها (بعض المناطق لا تدور الكشك).
(9) تنشر هذه الكريات إما على قماش أو على سيقان بعض النباتات المائية مثل البردى وتترك فى الشمس لمدة أسبوع حتى تجف الكريات ويلاحظ تغطية الكشك فى المساء حتى لا يتعرض لإمتصاص رطوبة من الجو وكذا حمايته من التلوث بالأتربة.
(10) بعد جفاف الكشك قد يتم تحميصه ويتم تخزينه فى الصوامع البلدية ( اسطوانات مصنوعة من الطين ) لحمايته من الحشرات والرطوبة إلى أن يستهلك حيث يتم استهلاكه على مدار السنة.
الأهمية الغذائية للكشك
يعتبر الكشك ذو قيمة غذائية عالية لإحتوائه على :
(1) بروتينات (موجودة في اللبن والقمح ) , وهي يــســاعــد عــلــى نــمــو خــلايــا الجسم وخصوصا العضل .
(2) نشويات ( متمثلة في البرغل ) وهي التي توفر طاقة لجسم الكبار وتساعد الاولاد على النمو .
(3) كالسيوم ( وهو موجود في اللبن ) ، وهو الذي يعمل على نمو العظام عند الاطفال ومنع ترققه عند المتقدمين في السن .
(4) فيتامين B , وتحتوي عليه الألياف الموجودة في حبوب القمح والذي تزيد نسبته بفعل عملية تخمر البرغل مع اللبن .
(5) ألياف ( توجد فى حبوب القمح ) ولهذه أهمية صحية كبيرة حيث أن هذه الألياف لها دور فى تغذية الإنسان لما بها من مواد تمنع وجود مركبات سرطانية فى الجسم إلى جانب وجود جزء غير ذائب من هذه الألياف يعمل على تنظيم عمليات الإخراج للفضلات.
(6) أملاح معدنية بعضها يضاف اليالكشك في أثناء عملية الصناعة كملح الطعام وبعضها تحتوي عليه مكوناته , وهي تشكل عنصراً هاما في تنظيم عمل الجهاز العصبي .
وأخيراً يعتبر الكشك خالياً من المواد الدهنية اي انه يعطي الطاقة من دون ان يتسبب بالسمنة.
عادات وتقاليد مرتبطة بصناعة الكشك
ارتبطت صناعة الكشك بأعراف وتقاليد قديمة , كثيرة ومتعددة , ما زال بعضها حاضراً في وعي الفلاحين في القري واندثر بعضها الاخر فيما الثالث اعتراه نوع من التغيير ليواكب متطلبت وضرورات العصر لكن وعلي أية حال تشكل أيام الكشك ملتقي للاخوان والاصدقاء والاحبة ففي يوم سلق القمح وتحويله الي ( البليلة ) تشارك الأسر مع بعضها البعض وتتبادل الأدوات المستخدمة في هذه في عملية تفجر ما بكوامنهم من الحب والود الذي يبدو في التعاون والألفة فيما بينهم .
وما زال الجميع يشاركون في جلسة «بعرمة» الكشك الذي يتطلّب «سواعد» وأياد شابة للقيام بالمهمة كما يجب. ولبلوغ هذا الهدف فمن الضروري توزيع الأدوار بين العائلات ليصبح ما يمكن تسميته بـ «حجز دور لسهرة " بعرمة الكشك " على امتداد أيام الأسبوع، وذلك كي لا تتضارب المواعيد ويتمكّن كل شباب القرية وشاباتها من المشاركة في هذه المهمة التي لم تكن يوما عبئاً عليهم، بل على العكس من ذلك كانت فرصة لاجتماع الأحبة .
وما زال رب الأسرة يقوم بدعوة الشباب في مساء يوم الحمي الي عملية عجن الكشك وهو في مرحلة التخمر حيث يتم اعداد وجبة دسمة لهؤلاء الشباب يتناولونها قبل أو بعد عملية العجن وتكون جلسة العجن هذه بمثابة يوم عيد سنوي للأسرة يتبادل فيها الاصدقاء والأقارب التهاني .
ومن العادات والتقاليد المرتبطة بصناعة الكشك أيضاً حرص النساء على حفظه ( خاصة في يوم الحمي ) جانبا بعيدا عن الحاسدات اللواتي ستصيب أسهم عيونهن الكشك في هذه المرحلة ، لا سيما اللواتي اشتهرن بالحسد. اعتقاداً منهم بأن النظرة الحاسدة ستكون كفيلة بافساد عجينة الكشك، وبالتالي ستؤدي الى اتلافه.
الميكنة وتحسين صناعة الكشك
رغم الأهمية التي يشكلها كمادة غذائية وما يحتويه من فوائد فلا يزال انتاج الكشك صناعة بيتية ولم تصل بعد الى مرحلة الميكنة لانتاج كميات اكبر في وقت أقصر , مما حال دون دخوله العمل التجاري فلا يتم بيعه أو شراؤه من المحلات وبالتالي لا يشكل دخلاً لأي من الأسر التي تقوم بصناعته .
ولهذا يدعو الكثيرون الي ضرورة ميكنة صناعة الكشك التي تضمن تحسين صناعة الكشك بدرجة تؤدي الي :
(1) تركيز اللبن الخض أى تحويله إلى لبن زير بطريقة سريعة صحية لكى يكون خالى من الميكروبات المرضية والضارة .
(2) تحسين صناعة مجروش القمح بطريقة سهلة.
(3) زيادة نسبة الدهن فى اللبن الداخل فى الصناعة.
(4) إجراء عملية التقطيع والتجفيف بطريقة سريعة ومنظمة مع تخزين الكشك الناتج فى أماكن لا تصل إليها الحشرات.
***