بسم الله الرحمن الرحيم
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]
الحمد لله رب العالمين الذي أوجب الصيام في رمضان على عباده ، أحمده سبحانه وتعالي حمداً يليق بجلاله وعظمته وقدرته وعظيم سلطانه , والصلاة والسلام على من سن القيام في رمضان لأصحابه واتباعه.. أما بعد فلا يخفى على كل مسلم ما لرمضان من مكانة في القلوب ، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر كله هبات وعطايا ومنن من الحق سبحانه وتعالي , وسنحاول في هذه السطور القليلة علي التعرف علي تسميته وأهميته وأهم الاحداث التي وقعت خلاله .
التسمية :
رمضان .. الشهر التاسع من شهور السنة الهجرية .. سمي بهذا الاسم عام 412م على وجه التقريب. وذلك في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول ³, وقد اختلف في اشتقاق كلمة رمضان فقيل إنه من الرمض، وهو حر الحجارة من شدة حر الشمس، ذلك أنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام (رمض) الحر وشدته فسمي به، ووافق جمادى الأولى وجمادى الآخرة أيام تجمد الماء في الشتاء فسميا به، وهكذا كل شهور السنة الهجرية , ويقول بعض العلماء: إن شهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حرّ جوفه من شدة العطش.
وكانت لثمود قائمة خاصة أطلقتها على الشهور، وكانت تطلق على شهر رمضان اسم ديْمر. وكانوا يبدأون سنتهم بشهر ديمر هذا، أما المحرم فكانوا يدعونه موجب. وقد نظم أبو سهل عيسى بن يحيى شهور ثمود مبتدئًا بالمحرم ومنتهيًا بذي الحجة فقال:
شهور ثمودٍ مُوجِبٌ ثم مُوجِرُ ومُورِدُ يتلو مُلزْمًا ثم مُصْدِر
وهوْبرُ يأتي ثم يدخلُ هوْبلٌ وموْهاءُ قد يقفوهما ثم ديْمرُ
ودابِرُ يمضي ثم يقبل حيْفلٌ ومسْبِلُ حتى تمّ فيهنّ أشْهرُ
ومن الأسماء التي أطلقتها عليه العرب العاربة زاهر، ومن ذلك أيضًا نافق من نفقت الدابة أي ماتت , ومن أسمائه أيضًا ناطل. والناطل مكيال للخمر، وكان العرب يكثرون في هذا الشهر من شرب الخمر لأن ما يتلوه هي أشْهُر الحج ، لذا سمي ناطِلا لإفراطهم في الشرب وكثرة استعمالهم لذلك المكيال .
الأهمية :
صعب علي المرء أن يحصي ما لرمضان من فوائد أو يحدد أهمية هذا الشهر الكريم في عبارات لغوية فهي عديدة وعظيمة فهو سبب من أسباب تكفير الذنوب والخطايا، قال صلي الله عليه وسلم : { الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر } [مسلم].
لقد فرض الله الصوم في السنة الثانية من الهجرة. وكان الرسول ³ يتعبد فيه بغار حراء حتى قبل البعثة، ونزل الوحي أول ما نزل في شهر رمضان. وفيه الليلة المباركة المسماة ليلة القدر التي نزل فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام على الرسول منجمًا على مدى ثلاثة وعشرين عامًا , وفي هذه الليلة المباركة يكتب الله تعالى فيها ما سيكون خلال السنة، فمن حرم أجرها فقد حرم خيراً كثير، قال صلي الله عليه وسلم : { فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم } [أحمد والنسائي وهو صحيح]. ومن قامها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، قال صلي الله عليه وسلم : { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه]، وقال صلي الله عليه وسلم : { من قامها إبتغاءها، ثم وقعت له، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر } [أحمد] .
وفي رمضان تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد مردة الشياطين وعصاتهم، فلا يصلون ولا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل، قال صلي الله عليه وسلم : { إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين }، وفي رواية: { إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة } [البخاري].
وفي رمضان من فطر فيه صائماً فله مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً، قال صلي الله عليه وسلم : { من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء } [حسن صحيح رواه الترمذي وغيره] , والعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي ، ففي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: { عمرة في رمضان تعدل حجة } أو قال { حجة معي } , وفي رمضان أكلة السحور التي هي ميزة صيامنا عن صيام الأمم السابقة، وفيها خير عظيم كما أخبر بذلك المصطفى صلي الله عليه وسلم حيث قال: { فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر } [مسلم]، وقال عليه الصلاة والسلام: { تسحروا فإن في السحور بركة } [متفق عليه].
أهم أحداث الشهر الكريم :
تتعدد الأحداث العظيمة والتاريخية والمؤثرة التي وقعن خلال هذا الشهر الكريم ففيه غزوة بدر الكبرى في يوم الثلاثاء 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة التي كان يسميها المسلمون قبل اعتماد التقويم الهجري سنة الأمر، أي الأمر بالقتال , كما كان فيه فتح مكة في 20 من السنة الثامنة للهجرة التي كان يسميها المسلمون سنة الاستواء. وفي هذا الشهر توفيت فاطمة بنت الرسول صلي الله عليه وسلم ( في ليلة الثلاثاء 3 رمضان عام 11هـ وعمرها 29 سنة )، وزوجها علي بن أبي طالب (توفي علي في 17 رمضان من عام 40هـ بعد أن طعنه عبد الرحمن بن ملجم ) وابنهما الحسن (كانت وفاة الحسن في منتصف رمضان من عام 49هـ بعد أن سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ) , وفي السابع من رمضان من عام 1351هـ توحدت الحجاز ونجد تحت اسم المملكة العربية السعودية، وفي العاشر منه عام 1393هـ كانت حرب رمضان التي تمكن فيها الجيش المصري من عبور قناة السويس وخاض أروع معارك العرب ضد إسرائيل.
كل عام وأنتم بخير
***