نونية القحطاني
الجزء الأول
يا منزل الآيات والفرقان بيني وبينك حرمة القرآن
إشرح به صدري لمعرفة الهدى واعصم به قلبي من الشيطان
يسر به أمري وأقض مآربي وأجر به جسدي من النيران
واحطط به وزري وأخلص نيتي واشدد به أزري وأصلح شاني
واكشف به ضري وحقق توبتي واربح به بيعي بلا خسراني
طهر به قلبي وصف سريرتي أجمل به ذكري واعل مكاني
واقطع به طمعي وشرف همتي كثر به ورعي واحي جناني
أسهر به ليلي وأظم جوارحي أسبل بفيض دموعها أجفاني
أمزجه يا رب بلحمي مع دمي واغسل به قلبي من الأضغاني
أنت الذي صورتني وخلقتني وهديتني لشرائع الإيمان
أنت الذي علمتني ورحمتني وجعلت صدري واعي القرآن
أنت الذي أطعمتني وسقيتني من غير كسب يد ولا دكان
وجبرتني وسترتني ونصرتني وغمرتني بالفضل والإحسان
أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب مودة والعطف منك برحمة وحنان
ونشرت لي في العالمين محاسنا وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البرية شائعا حتى جعلت جميعهم إخواني
والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام علي من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ولبؤت بعد كرامة بهوان
لكن سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني
فلك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوارحي ولساني
ولقد مننت علي رب بأنعم مالي بشكر أقلهن يدان
فوحق حكمتك التي آتيتني حتى شددت بنورها برهاني
لئن اجتبتني من رضاك معونة حتى تقوي أيدها إيماني
لأسبحنك بكرة وعشية ولتخدمنك في الدجى أركاني
ولأذكرنك قائما أو قاعدا ولأشكرنك سائر الأحيان
ولأكتمن عن البرية خلتي ولاشكون إليك جهد زماني
ولأقصدنك في جميع حوائجي من دون قصد فلانة وفلان
ولأحسمن عن الأنام مطامعي بحسام يأس لم تشبه بناني
ولأجعلن رضاك أكبر همتي ولاضربن من الهوى شيطاني
ولأكسون عيوب نفسي بالتقى ولأقبضن عن الفجور عناني
ولأمنعن النفس عن شهواتها ولأجعلن الزهد من أعواني
ولأتلون حروف وحيك في الدجى ولأحرقن بنوره شيطاني
أنت الذي يا رب قلت حروفه ووصفته بالوعظ والتبيان
ونظمته ببلاغة أزلية تكييفها يخفى على الأذهان
وكتبت في اللوح الحفيظ حروفه من قبل خلق الخلق في أزمان
فالله ربي لم يزل متكلما حقا إذا ما شاء ذو إحسان
نادى بصوت حين كلم عبده موسى فأسمعه بلا كتمان
وكذا ينادي في القيامة ربنا جهرا فيسمع صوته الثقلان
أن يا عبادي أنصتوا لي واسمعوا قول الإله المالك الديان
هذا حديث نبينا عن ربه صدقا بلا كذب ولا بهتان
لسنا نشبه صوته بكلامنا إذ ليس يدرك وصفه بعيان
لا تحصر الأوهام مبلغ ذاته أبدا ولا يحويه قطر مكان
وهو المحيط بكل شيء علمه من غير إغفال ولا نسيان
من ذا يكيف ذاته وصفاته وهو القديم مكون الأكوان
سبحانه ملكا على العرش استوى وحوى جميع الملك والسلطان
وكلامه القرآن أنزل آيه وحيا على المبعوث من عدنان
صلى عليه الله خير صلاته ما لاح في فلكيهما القمران
هو جاء بالقرآن من عند الذي لا تعتريه نوائب الحدثان
تنزيل رب العالمين ووحيه بشهادة الأحبار والرهبان
وكلام ربي لا يجيء بمثله أحد ولو جمعت له الثقلان
وهو المصون من الأباطل كلها ومن الزيادة فيه والنقصان
من كان يزعم أن يباري نظمه ويراه مثل الشعر والهذيان
فليأت منه بسورة أو آية فإذا رأى النظمين يشتبهان
فلينفرد باسم الألوهية وليكن رب البرية وليقل سبحاني
فإذا تناقض نظمه فليلبسن ثوب النقيصة صاغرا بهوان
أو فليقر بأنه تنزيل من سماه في نص الكتاب مثاني
لا ريب فيه بأنه تنزيله وبداية التنزيل في رمضان
الله فصله وأحكم آيه وتلاه تنزيلا بلا ألحان
هو قوله وكلامه وخطابه بفصاحة وبلاغة وبيان
هو حكمه هو علمه هو نوره وصراطه الهادي إلى الرضوان
جمع العلوم دقيقها وجليلها فيه يصول العالم الرباني
قصص على خير البرية قصة ربي فأحسن أيما إحسان
وأبان فيه حلاله وحرامه ونهى عن الآثام والعصيان
من قال إن الله خالق قوله فقد استحل عبادة الأوثان
من قال فيه عبارة وحكاية فغدا يجرع من حميم آن
من قال إن حروفه مخلوقة فالعنه ثم اهجره كل أوان
لا تلق مبتدعا ولا متزندقا إلا بعبسة مالك الغضبان
والوقف في القرآن خبث باطل وخداع كل مذبذب حيران
قل غير مخلوق كلام إلهنا واعجل ولا تك في الإجابة واني
أهل الشريعة أيقنوا بنزوله والقائلون بخلقه شكلان
وتجنب اللفظين إن كليهما ومقال جهم عندنا سيان
يأيها السني خذ بوصيتي واخصص بذلك جملة الإخوان
واقبل وصية مشفق متودد واسمع بفهم حاضر يقظان
كن في أمورك كلها متوسطا عدلا بلا نقص ولا رجحان
واعلم بأن الله رب واحد متنزه عن ثالث أو ثان
الأول المبدي بغير بداية والآخر المفني وليس بفان
وكلامه صفة له وجلالة منه بلا أمد ولا حدثان
ركن الديانة أن تصدق بالقضا لا خير في بيت بلا أركان
الله قد علم السعادة والشقا وهما ومنزلتاهما ضدان
لا يملك العبد الضعيف لنفسه رشدا ولا يقدر على خذلان
سبحان من يجري الأمور بحكمة في الخلق بالأرزاق والحرمان
نفذت مشيئته بسابق علمه في خلقه عدلا بلا عدوان
والكل في أم الكتاب مسطر من غير إغفال ولا نقصان
فاقصد هديت ولا تكن متغاليا إن القدور تفور بالغليان
دن بالشريعة والكتاب كليهما فكلاهما للدين واسطتان
وكذا الشريعة والكتاب كلاهما بجميع ما تأتيه محتفظان
ولكل عبد حافظان لكل ما يقع الجزاء عليه مخلوقان
أمرا بكتب كلامه وفعاله وهما لأمر الله مؤتمران
والله صدق وعده ووعيده مما يعاين شخصه العينان
والله أكبر أن تحد صفاته أو أن يقاس بجملة الأعيان
وحياتنا في القبر بعد مماتنا حقا ويسألنا به الملكان
والقبر صح نعيمه وعذابه وكلاهما للناس مدخران
والبعث بعد الموت وعد صادق بإعادة الأرواح في الأبدان
وصراطنا حق وحوض نبينا صدق له عدد النجوم أواني
يسقى بها السني أعذب شربة ويذاد كل مخالف فتان
وكذلك الأعمال يومئذ ترى موضوعة في كفة الميزان
والكتب يومئذ تطاير في الورى بشمائل الأيدي وبالأيمان
والله يومئذ يجيء لعرضنا مع أنه في كل وقت داني
والأشعري يقول يأتي أمره ويعيب وصف الله بالإتيان
والله في القرآن أخبر أنه يأتي بغير تنقل وتدان
وعليه عرض الخلق يوم معادهم للحكم كي يتناصف الخصمان
والله يومئذ نراه كما نرى قمرا بدا للست بعد ثمان
يوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من أهل ومن أوطان
يوم تشققت السماء لهوله وتشيب فيه مفارق الولدان