لطالما اتُهمت مادة الرياضيات بالجمود والتنفير وفقدان صلتها بالواقع المعاش. وعززت رتابة عرض المسائل والتدريبات في كتب الرياضيات (المقررة)، وأساليب بعض المعلمين والمعلمات التقليدية الخالية من التشويق والتقريب الواقعي - من مصداقية هذا الاتهام حتى أصبح من المسلّمات الملتصقة بمادة الرياضيات !
لقد أثبتت التجارب التربوية الجادة إمكانية زعزعة مثل هذه المسلّمات (الخاطئة) خصوصًا حين يتم التعامل معها بشكل جماعي تعاوني مدروس كالذي تم بين مراكز الإشراف في الرياض ومعلمات مادة الرياضيات خلال الفصل الثاني من العام الدراسي 1424 - 1425هـ، ونتج عنه إقامة (مهرجان الرياضيات) في عدد من المدارس للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة لمعالجة أكثر أبواب مادةالرياضيات الدراسية صعوبة على الطالبات. ولكوني إحدى القائمات على إعداد مهرجان الرياضيات للمرحلة المتوسطة والخاص بالأعداد الصحيحة (مجموعة الأعداد الموجبة والصفر ومجموعة الأعداد السالبة) - فقد أمكنني ملاحظة مدى إقبال الطالبات على فقرات المهرجان مما حقق لهن إتقان جميع أهداف ومهارات موضوع المهرجان في جو تنافسي وتعاوني. الأوشحة السوداء : من المتعارف عليه أن مشهدًا تمثيليًا واحدًا يثبت المعلومة بدرجة أعلى من كثير من المواقف التعليمية، لذا فقد تم إعداد مشاهد تمثيلية اختير لأدائها بعض الطالبات، ومنها مشهد (التاجر بين الربح والخسارة) الخاص بعملية ضرب الأعداد الصحيحة، والذي ترتدي فيه مجموعة من الطالبات الأوشحة البيضاء للدلالة على الربح (العدد الموجب)، وترتدي فيه مجموعة أخرى منهن الأوشحة السوداء للدلالة على الخسارة (العدد السالب). ومن حوار هذا المشهد أن يظهر التاجر ليسأل عن قيمة ربحه أو خسارته على نحو: «إذا بعت هذا الكتاب بثمانية ريالات فسأربح ريالين، وعندما أبيع ستة كتب فماذا سيحصل؟» لتظهر بعد هذا للإجابة عن الجزء الأول من السؤال طالبتان ترتديان وشاحين أبيضين. ثم تظهر للإجابة عن جزء السؤال الثاني اثنتا عشرة طالبة بالأوشحة البيضاء للدلالة على قيمة الربح في الكتب الستة. ويستمر المشهد بأن يتابع التاجر حواره: «وإذا بعت الكتاب بأربعة ريالات فقط فسأخسر كما تعلمون ريالين»، عند ذلك تخرج طالبتان بوشاحين أسودين للدلالة على قيمة الخسارة. وهكذا يستمر المشهد لتوضيح أن للربح قيمة رقمية كما أن للخسارة قيمة أيضًا. دوائر الجمع : كان لبرنامج البوربوينت حضور حيوي في المهرجان وتجاوب ظاهر من الطالبات، عن طريق عروضه التي تندرج بالأسئلة من الأسهل إلى الأصعب، كأن يطلب من إحدى الطالبات ترتيب الأعداد الصحيحة على محور الأعداد، ليقوم البرنامج بعد محاولة الطالبة بالترتيب (الصحيح) في عرض جذاب. ويقدم عرض البوربوينت توضيحًا لعملية جمع الأعداد الصحيحة، كما في العملية الحسابية (+
+ (-5)، حيث تظهر على شاشة العرض الجدارية ثماني دوائر بيضاء تقابلها خمس دوائر سوداء، ويتم بعدها إزالة كل دائرة بيضاء بما يقابلها من دائرة سوداء (والعكس صحيح) ليتبقى ثلاث دوائر بيضاء (+3) هي حاصل العملية الحسابية السابقة. وبنفس الطريقة يستمر عرض عمليات الجمع بين الأعداد الصحيحة الموجبة والأعداد الصحيحة السالبة حتى تتمكن جميع الطالبات من التعامل معه. نشر الغسيل : كان للمسابقات الحركية نصيبها في المهرجان كمسابقة (نشر الملابس على حبل الغسيل)، فقد وضع حبل مقسم لمسافات صغيرة متساوية وحدد في منتصفه العدد صفر، وأعدت مجموعة من قصاصات الأقمشة المرقمة بأعداد موجبة وسالبة على هيئة ملابس (مصغرة). تعتمد فكرة المسابقة على أن تقوم طالبتان متسابقتان بأخذ قصاصات الأقمشة المرقمة ووضعها في مكانها الصحيح من الحبل ليكون الفوز من نصيب الطالبة التي تختار المكان الصحيح للقصاصة بأسرع وقت. ومن الألعاب أيضًا لعبة «مسار الأعداد الصحيحة»، التي أعدت لها سجادة بلاستيكية مستطيلة بطول ثلاثة أمتار تقريبًا مفروشة أفقيًا ومجزأة إلى أجزاء (متساوية) مرقمة وفق ترتيب الأعداد الصحيحة (النموذج 1). تقوم الطالبة لبدء اللعبة بسحب بطاقة من ضمن بطاقات أعدتها المعلمة كتب على كل واحدة منها عملية جمع حسابية لعددين من الأعداد الصحيحة، مثل: (-3) + (-2)، ثم تقف الطالبة على الصفر فوق السجادة والرجوع ثلاث خطوات نحو جهة الأعداد الصحيحة السالبة، ومن العدد (-3) تواصل الطالبة الرجوع خطوتين حتى تصل إلى العدد (-5) وهو حاصل المسألة الحسابية السابقة. ومن الألعاب التي أظهر حماسًا تنافسيًا لعبة OX، وقد صممت بقطعة من قماش على شكل مربع بطول متر مربع وعرض متر مربع. قسّمت القطعة إلى ثلاثة أعمدة وثلاثة صفوف، ودون في كل مربع أحد الأرقام التي تمثل ناتج عملية حسابية أعدتها المعلمة في بطاقات السحب للأعداد الصحيحة (النموذج 2). وأعد مجسّمان أحدهما على شكل X والآخر على شكل O. للبدء باللعبة يتم تقسيم الطالبات إلى مجموعتين، تسحبان بشكل تبادلي من بطاقات السحب، وحين توفق المجموعة إلى الإجابة الصائبة يتم تغطية مربع الإجابة بالمجسم الخاص بالمجموعة (x أوo)، بحيث تكون المجموعة الفائزة هي التي تكوّن ثلاث إجابات على استقامة واحدة (أفقية أو رأسية أو قطرية). السيئة والحسنة : كانت الإذاعة المدرسية من المرافق المدرسية الهامة التي استثمرت في المهرجان، فتم تأليف بعض الأناشيد سهلة الحفظ تحمل إيجازًا لقواعد عمليات الأعداد الصحيحة الحسابية. وقد حرصت المعلمات على ترديد الطالبات لكلمات الأناشيد على سبيل ترسيخ المعلومة. كما زودت المعلمات الطالبات بقصص ومقالات (إذاعية) تذكّر الطالبات بما يمكن أن تمثله الأعداد الصحيحة كالربح والخسارة، والصعود الهبوط، والتقدّم والتأخر، والحسنات والسيئات. مع الاستدلال ببعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: }إن الحسنات يذهبن السيئات|، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها». بحق لقد كان المهرجان تجربة حوّلت شيئًا من النظرة السوداوية إلى مسائل الرياضيات ونظرياتها، وأثبت إمكانية أن تكون الرياضيات هي المادة الأمتع، هذا من جانب الطالبات. أما من جانب المعلمات فإن أملهن بعد هذا المهرجان أن تليه مهرجانات أخرى تشمل أبوابًا دراسية مقررة عانت منها شريحة واسعة من الطالبات كمجموعة الأعداد النسبية (الكسور)، ومجموعة الأعداد الحقيقية (الجذور). (النموذج 1) 6+ 5+ 4+ 3+ 2+ 1+ صفر 1- 2- 3- 4- 5- 6- (النموذج 2) 25+ صفر 6- 8+ 36+ 7- 10- 32+ 42+ بقلم الــ أ :: لينا الحمدان - الرياض وموقع شبكة دنيا الريضات يتقدم لها بالشكر الجزيل على هذا الطرح